الاثنين، 1 يوليو 2013

هَنَا


عند مدخل البناية التقيتها... بعينيها البريئتين المتطلعتين وابتسامتها الخالية من ذنوب البشر... هَنَا...  الملاك الجالس دائماً فوق الدرج امام البوابة الكبيرة... هي الابنة الوحيدة لحارس تلك البناية التي اقطن بها محتلة وحدي طابقها السادس...الواسع...البارد...الممل...الخالي من كل شئ الا الذكريات والألم.
كانت هَنَا تحتل بألعابها الصغيرة البسيطة المتناثرة معظم درجات المدخل... وكانت بيديها عروستها الأثيرة التي ما رأيتها قط الا وهي تضمها الي صدرها كما تضم الأم وليدها الوحيد... تمسك احد امشاطها الصغيرة و تعمل في جد في في تزيين شعر عروستها... ابتسمت في رقة ثم عاودت الانكباب على العابها... لم اتمالك نفسي الا وانا اجلس بجوارها و اخرج من حقيبتي الكاميرا التي ترافقني دائما... التقطت لها اول صورة هي تتحدث الي ابنتها الغير آدمية تخبرها كم هو جميل للفتاة ان تبقى جميلة مهندمة... أثارها صوت التقاط الصورة والذي بدا لها غريبا... عاودت النظر تجاهي بعينين يملؤهما الدهشة فلم اتهاون انا عن التقاط تعبيراتها الطفولية البريئة في كدرات جميلة نقية مثلها... التقطت لها صورة...اثنان........ عشرات الصور ولازالت الدهشة لا تفارق قسماتها الدقيقة... اردت ان امحو دهشتها فاقتربت منها وعرضت عليها صورها على شاشة الكاميرة الصغيرة... وما لبثت ان رأتها الا وصفقت بكفيها الصغيران  في سعادة وهي تقول:
- دي انا... ودي العروسة
رقص قلبي طربا لسعادة هَنَا و جاوبتها:
-ايو يا هَنَا.. تحبي اصوركم تاني؟
أشارت برأسها بسعادة وفي سرعة بما يعني:نعم..
فعاودت التقاط صورها مع دميتها من جديد... تلك الابتسامات و الضحكات والسعادة المحلقة في عيون الملاك الصغير... أسرتني
لم اكترث للدقائق التي كانت تمر و أنا جالسة في مدخل البناية.. لم اكترث للنظرات الفضولية المتسائلة من حولي عن تلك السيدة التي تجلس فوق السلم مع طفلة تلتقط لها الصور وتعطيها الحلوى و تشاهدها تلعب مع دمية. كل ما اثار اهتمامي في تلك اللحظة هو ان التقط اكبر قدر من الصور لانفعالات هَنَا و لحظات سعادتها الصافية.
حتى جاءت والدتها من داخل البناية وعندما رأتنا نتضاحك وهَنَا تضع عروستها امام عدسة الكاميرا وتطالبني بان التقط صورة للعروسة وحدها  اقبلت باسمة قائلة: 
-والله يا أبلة انتي بتدلعيها و مش حتسمع كلام حد بعد كده
قت وانا انهض مداعبة وجه هَناَ الباقية في مكانها وهي تضم عروسها بقوة اكثر و لكن بابتسامة اصبحت اكثر خفوتاً:
-يا ستي ما تدلع هو احنا يعني عندنا كام هَنَا.
قالت وهي ترفع ابنتها من على الارض: 
-الله يباركلك يا أبلة يا ريت كل الناس في حنيتك
قلت متحاشية ان تتمادى في مجاملتي :
-انتم خارجين؟
كانت ابتسامة هَنَا قد اختفت تماما كمن يتوقع سوء و امها تقول :
-اه... رايحين المستشفى... ميعاد الكيماوي
قلت وقد عاودني الآسى عندما تذكرت ما تعانيه من آلام المرض : 
-هي بتقدر على العلاج ده ازاي... دي صغيرة اوي.
ابتسمت الام في حزن قائلة : 
-ربك بيعين يا أبلة...الحمد لله 
انصرفت وهَنَا فوق كتفها ترسل لي نظرات حزينة... مودعة... اختفت ابتسامة عيناها واصبحت مليئة بلوعة الفراق والألم.
و لفرط تعجبي وجدتني اسرع بالتقاط صورة اخيرة لهَنَا وهي تودعني من فوق كتف امها مبتعدة ليبتلعها زحام الطريق. لم اكن اعلم حينها انها بالفعل مفارقة.
في صباح اليوم التالي لم يبقى لدي من هَنَا سوى بعض الصور لها ...دهشتها ... ضحكاتها ...دميتها الوحيدة و صورة وداع ..حزين ..و غصة بالقلب

هناك تعليقان (2):

  1. روعة .. اشعلت في قلبي مشاعر انسانية جميلة .. ربنا يشفي و يرحم اى حد زى هنا .

    ردحذف